أحمد السعداوي (أبوظبي)

نفى ياسر سليمان، رئيس مجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر العربية»، وجود أي خلافات داخل لجنة التحكيم، أدت إلى تغيّب الروائية العراقية إنعام كجه جي المرشحة ضمن القائمة القصيرة عن روايتها «النبيذة» عن الحفل، وبيّن سليمان أنه في كل عام، سواء بالنسبة للقائمة الطويلة أو القائمة القصيرة، كثيراً ما نسمع عن توقعات بأسماء معينة على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل إعلان النتائج. وهذا كله يدور في إطار التوقعات وليس الحقائق، ما قد يثير بعض الأقاويل البعيدة تماماً عن الواقع الذي يدور داخل اللجنة قبل إعلان النتائج.
لكن المشكلة التي كانت مثار التعليقات في الأوساط الثقافية، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، تمثل بالتسريب الذي سبق إعلان الجائزة بحوالي 14 ساعة، وجزم بفوز الروائية اللبنانية هدى بركات مؤلفة رواية «بريد الليل»، وأوضح سليمان أنه في حال وجود أي تسريب من قبل أحد أعضاء لجنة الأمناء، فسيجري بحث ذلك بشكل دقيق للحفاظ على صدقية الجائزة ذات القيمة الكبيرة في المشهد الروائي العربي، مشيراً إلى أن مثل هذه التجليات التي تثار هنا وهناك، هي نتاج طبيعي لمثل هذه الجوائز القيّمة.
ويبدو أن تصريحات الروائية الفائزة، فور تسلمها الجائزة على المسرح وأمام الجمهور وعدسات الكاميرات، قد منحت رواد التواصل الاجتماعي مادة دسمة لتدعيم انتقاداتهم، فقد ذكرت هدى بركات في كلمتها، أنها كانت «غاضبة» من الجائزة، لأنها لم تصل في دوراتها السابقة حتى إلى قائمتها الطويلة، وأنها قد أبلغت مدير «البوكر» برأيها السلبي بالجائزة، وإنها رفضت الاستجابة لطلب ناشرتها رنا إدريس مديرة «دار الآداب» للترشح هذا العام، ولكنها استجابت لذلك بعدما وردها اتصال من إدارة الجائزة تحثّها على الترشّح، وبالتالي فهي «سعيدة الآن» بهذا الفوز، وتتمنى للجائزة التوفيق.
هذه التصريحات جعلت الكثيرين يغمزون من قناة لجنة التحكيم، مشيرين إلى أن «بريد الليل» تنطبق عليها معايير (النوفيلا) أكثر من المعايير الخاصة بالعمل الروائي، وقد عبرت الروائية العراقية إنعام كجه جي، عبر صفحتها عن امتعاضها من مسألة التسريب، واستخدمت عبارات ملطفة حيناً، وأخرى قاسية حينا آخر، وكشفت أن زميلتها هدى بركات كانت قد نصحتها بعدم الترشح.
كل هذه الملابسات تنتظر نتائج البحث الذي وعد به رئيس مجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية.
وكان المؤتمر الصحفي، الذي انعقد بعد حفل إعلان النتيجة، قد شارك فيه، إلى جانب ياسر سليمان، كل من الروائية الفائزة هدى بركات، ورئيس لجنة التحكيم شرف الدين ماجدولي وفلور مونتانارو، منسقة الجائزة العالمية للرواية العربية.
في بداية المؤتمر، قدم سليمان التهنئة للفائزة بحصولها على الجائزة، التي توجّت بها بعد مسيرة طويلة في العمل الروائي والاشتغال بالتدريس والصحافة في باريس التي تعيش حالياً فيها، حيث أصدرت ست روايات ومسرحيتين ومجموعة قصصية، بالإضافة إلى كتاب يوميات، وشاركت في كتب جماعية باللغة الفرنسية، وتُرجمت أعمالها إلى العديد من اللغات.
من جهتها، تحدثت بركات عن القيمة السردية المتضمنة في أعمال القائمتين القصيرة والطويلة للبوكر، باعتبارها انعكاساً لحالة من الغزارة الإنتاجية التي تعيشها الروايات في العالم العربي حالياً، ما يعد شيئاً إيجابياً، يساهم في إتاحة الفرصة تدريجياً أمام اللغة العربية لتكون مُتمناة ومُشتهاة من قبل الجميع. وأكدت أن اختيار 6 روايات بهذا المستوى الجيّد ينبئ بأن الرواية العربية في طريقها لتحظى بمكانتها اللائقة في العالم، وأن اللغة ليست عائقاً أبداً أمام شهرة الكاتب والتعريف بقدراته الإبداعية.
لينتقل الحديث بعدها إلى شرف الدين ماجدولين، رئيس لجنة التحكيم، الذي ألقى الضوء على القائمة القصيرة وما حملته من إيجابيات لهذه الروايات، معبراً عن سعادته كقارئ في المقام الأول لحالة المتعة القرائية التي وجدها خلال قراءته لهذه الروايات فضلاً عن شعوره بقيمتها السردية والأدبية، التي جعلته وزملاءه يبذلون جهوداً كبيرة لاستخلاص أفضل 6 روايات من بين عدد هائل من الأعمال المقدمة والمتضمنة في القائمة الطويلة، والتي عكست مواضيعها الواقع العربي وهموم وأحلام مجتمعات يعيش الرواة كل تقلباتها، ويعبرون عن ذلك كل بحسب رؤيته ووجهة نظره وارتباطه بالمجتمع الذي يعيش فيه، ضارباً المثل برواية محمد المعزوز، التي عكست بعض جوانب التغير في المجتمع المغربي.
ولفت ماجدولين إلى أن الروايات المتضمنة في البوكر تنتمي لخبرات في أزمنة مختلفة، يصل بعضها إلى ثلاثة عقود عند بعض الروائيين، وبعضها ليس بهذا المدى الزمني الطويل، ومع ذلك فهي روايات مخضرمات. وبالتالي فالأمر في النهاية لم يكن مرتبطاً بالزمن أكثر من ارتباطه بجماليات الكتابة التي يتمتع بها هذا النص أو ذاك، ولذا فالروايات التي وصلت إلى القائمة القصيرة للبوكر تعكس في المقام الأول المشهد الروائي العربي وتجاربه المقنعة.
وفيما يتعلق بتوزيع وأرقام الروايات بالنسبة لبلدان العالم العربي وما يعكسه ذلك من دلالات، أوضحت مونتانارو أن الحصة الأكبر للروايات المشاركة كانت من نصيب مصر ولبنان، وهذا العام شارك كتّاب من 19 دولة، في حين الدورة الفائتة من الجائزة استقطبت مبدعين من 14 دولة فقط، ما يعني زيادة التنوع الروائي المعبر عن تجارب إبداعية ثرية من أرجاء العالم العربي. في حين بقيت نسبة المشاركة النسائية تقريباً مشابهة لما جاءت به الدورة السابقة.
لتعود دفة الحديث بعدها إلى بركات التي أوضحت أن هناك تأثيراً للجائزة على كتاباتها المقبلة، لكون ذلك يعني الاعتراف بواقع المؤلف في المجال الكتابي، خاصة لمن يعيش في جو بعيد عن التقدير والتفاعل المباشر مع جمهوره، وتحديداً في أماكن بعيدة عن العالم العربي. مؤكدة أن هذا التقدير التي حظيت به في العالم العربي يمثل لها الكثير، لكون الوصول إلى القارئ العربي له مذاق خاص، ويعد تتويجاً لأي كاتب أو روائي، غير أن ذلك لا يؤثر على قناعاتها الذاتية بالعمل الروائي حتى في حال عدم حصولها على أي جائزة.

معايير ثابتة
رداً على سؤال عن الرسائل المتضمنة في الرواية، هل هي واقعية أم مستوحاة من الخيال، وهل الحرب اللبنانية لها تأثير على مجمل الأسئلة المطروحة عبر الرواية، أجابت بركات، بأنها حساسة جداً لكل ما يتعلق ببلدها، ومع التقدير الذي تلقاه خلال عيشها في فرنسا، إلا أن علاقتها بالوطن شيء آخر، وحين تجد مهاجرين عرباً تدعو دوماً للإنصات إلى أصواتهم.
منوهة إلى أن رواياتها جميعاً مستمدة من هواجسها الشخصية وليست مستمدة من شخوص واقعية تعرفها بشكل مباشر، علماً بأن الكتابة ليست لعبة جميلة ولا عالماً مريحاً، وإنما الوصول إلى الأعماق يحتاج إلى جهد مستمر.
سؤال آخر وجه إلى رئيس لجنة التحكيم، عن أهم الأسس التي بني عليها اختيار الروايات الست، ليشرح ماجدولين أنه لا توجد معايير ثابتة لاختيار النصوص الجيدة، فكل لجنة تحكيمية تضع معاييرها الخاصة بها، وبالتالي تختلف من لجنة إلى أخرى، بما يساهم في إيجاد مشهد روائي متنوع، غير أنه في الأصل يجب أن تقدم روايات مقنعة للقراء على اختلاف مشاربهم، وأن تكون الرواية تحظى بقدر كبير من الإمتاع، وهو المعيار الأول في هذا المقام.وختم إن الرواية ضد الواقع وانحياز للخيال، وهو ما يعطيها قيمة كبرى حين تخضع للنقد والتقييم.